الرد على دعاة الأشاعرة

الأخوة والأخوات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اليوم تلقيت رسالة من أخي الكريم الأستاذ / أبو أحمد السكندري – وفقه الله - يطلب فيها رأيي فيما يحدث في المنتدى من اعتراض على مواضيعه وحذف لبعضها ويؤكد بطلبه ضرورة أن أحدد موقفي ، وصراحة ما كنت لأفعل لولا أن الرجل أصرَّ على ذلك ويحرص على تصنيفي هل أنا معه أو ضده ؟ هل أنا من أهل الظاهر أو من أهل التأويل ؟
فكتبت له على الخاص ثم بدا لي أن أنقل لكم ما كتبته بعد أن أعيد النظر في ترتيبه وتنسيقه وضبطه ليكون مناسبًا للنشر والتداول .

وأقرّ في البداية أن تخصصي دعوة من كلية أصول الدين والدعوة في جامعة الأزهر ولا شأن لي بهذه الأمور الخلافية بين علماء الكلام واختلافات علماء العقائد فأنا في ذلك من العوام وليس لي أن أرجح رأيًا على الآخر أو أدعو لمذهب على حساب غيره .

وإليكم الرد مني كمسلم غيور على أمته وكرجل دعوة يعمل على توحيد صفوف الأمة :


الأخ الكريم / أبو أحمد السكندري – وفقه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اطلعت على بعض ما دار من خلاف بينك وبين أخي فضيلة الشيخ / ماهر نصير في منتديات النور الإسلامي من موضوعات تخص العقيدة وما اختلف فيه أهل العلم في موضوع الأسماء والصفات ومدى جواز التأويل من عدمه وأقسام التوحيد وغير ذلك فأقول :


أرى أن الأمة أحوج لجمع الشمل وتوحيد الصف ولا أرى أثرًا إيجابيًا لهذه الخلافات التي كثرت حول هذه الأمور ، ولكل واحد من الأمة أن يأخذ بالرأي الذي يريده من أقوال العلماء ولعل الله سبحانه وتعالى يقبل الجميع متى صدقوا النية والقصد ، وصراحة أرى أن واقع العلماء من أمثال الشيخ / عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وكذلك شيخنا محمد صالح بن عثيمين –رحمه الله - أهل فضل وعلم وعمل وبذلوا الغالي والرخيص من أجل نصرة هذا الدين حتى صاروا قدوة لكل منصف في هذه الأمة وما علمت عنهم إلاَّ خيرًا ولم أقرأ أو أسمع منهم تطاولاً ولا سبابًا ولا تجريحًا لأحد وصراحة يبقى لي رأيٌّ شخصيٌّ أراه أقرب إلى الصواب : أرى أن أهل الحق هم أولئك الذين لا يشغلون أنفسهم بسب أوتجريح أو شتم للمخالفين لمن خالفهم ، فقد اطلعت على واقع الناس وأحوالهم وأساليبهم في دعوتهم فرأيت النصارى ويتبعهم الروافض وأصحاب الفرق والمذاهب الدينية البعيدة عن منهاج النبوة هم أكثر من يسب ويشتم لأنهم على الباطل ورأيت أهل السنَّة والجماعة لا همَّ لهم إلا اتباع الحق والسير على خطى الحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – واتباع نهجه القويم ، وما الذي يضيرني إذا لقيت ربي وأنا أؤمن أنه له يدٌ وله عينٌ دون تأويل أو تشبيه أو تعطيل أو تمثيل أو تحريف وكذلك ما ورد في أسماء الله وصفاته .



هل سيطالبني ربي يوم القيامة فيقول لي : لماذا اعتقدت أنا لي يد وعين ؟ ولماذا لم تؤلها إلى معنى آخر؟

إذا قال الله :
{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } سورة الفتح : 10


فلن أقول إلا ما قال ربي ( يد الله ) ولا شأن لي بكنه اليد ولا بحجمها ولا بشكلها ولا بصفتها بل أقول يد الله وكفى ولن أقول أنها تعني القدرة أو غير ذلك .

وعليه فآمل أن تفكر لماذا الناس يتركون فكر الأشاعرة وعلماء الكلام ؟
لماذا توقف أهل العلم عن مناقشة هذه العقائد ؟
وهل إذا دعونا نصرانيًا أو ملحدًا أو يهوديًا أو هندوسيًا للإسلام نشترط عليه تأويل اليد والعين والأسماء والصفات أم يكفي أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ؟
يا أبا أحمد السكندري :

أتريد أن نترك كلام أهل الحديث وأهل الفقه ونتبع خلافات أهل الكلام ؟

هم علماءٌ أجلاء ولكن مضى زمنهم ، ولهم مالهم وعليهم ما عليهم وربما لو عادوا وشاهدوا واقع أمتنا اليوم لتبرأوا من كل ما قالوه في ذلك .
أنا والله لا أجد ضرورة اليوم لتجديد خلافات من سبق من علماء الكلام ومذاهب أهل الاعتقاد .

وبالله عليك اسمح لي بهذا السؤال :
لماذا تجد الرفض وعدم القبول في كل من تدعوهم إلى مذهبك ؟
لماذا الناس يرفضون فكرك بالفطرة وإن لم يكونوا من أهل العلم ؟

أعتقد أن الجواب الصحيح : أن الناس ملوا من هذا النوع من الكلام والأمة في حاجة لأن نترك هذه الخلافات ونتفرغ لما هو أهم من ذلك فما الذي نقدمه للإسلام إذا عشنا ومتنا في هذه الخلافات ؟


لو وقف التتار على أبواب مصر – بلد الأزهر والمساجد وقراء القرآن - اليوم أو أي بلد مسلم آخر أترى أن ننشغل بجواز تأويل الأسماء والصفات أم نواجه عدونا ونحمي ديننا وعرضنا وأوطاننا ومساجدنا ومدارسنا وجامعاتنا ؟


ما رأيك أن الحقيقة المرة أننا في وضع أسوأ من وقوف التتار على أبواب بلادنا ؟
قديما كان التتار يعرفون للناس حقوقهم فكانوا يقفون على الأبواب ويرسلون الرسائل للتفاهم من أجل التسليم قبل الغزو أما تتر اليوم يدخلون أولا وما أظنهم إلا أنهم قد دخلوا وعاثوا في الأرض فسادًا ثم يملون شروطهم ويساوموننا على أعراضنا ومساجدنا وإلا فالموت جوعًا أو قتلاً .


ويكفي ما كان من السابقين وخلافاتهم ولكل واحدٍ أن يأخذ ما يطمئن له قلبه دون أن نعلن الحرب والقتال على بعض فيتهم بعضنا بعضًا ويفسق بعضنا بعضًا ثم ندخل في سلسلة اتهامات لا نهاية لها ، رحمة الله واسعة وقد تسع الجميع ، وأكرر أنا لست متخصصًا في هذا العلم ولا أنوي التخصص فيه ، فعندي ما يشغلني من هموم أمتي والخوف عليها وعلى مستقبلها وحمى حماها وإبلاغ الدعوة الصحيحة النقية إلى من لم تبلغه أولى من مناقشة هذه الأمور الخلافية التي لن تنحسم أبدًا .


فتخصصي دعوة وأشغل نفسي بهذا التخصص ولا أحب أن أدخل في مثل هذه الأمور – ومن أجل ذلك كنت أكتفي بأن أقرأ لكم ما تكتبونه في صفحات المنتدى ولكن لم يعجبني التطاول والسباب والشتائم ونقل الخلاف إلى الأشخاص والابتعاد عن الهدف الأساسي الذي من أجله تحاورتم بل ودخلتم المنتدى .

عندي قناعة بأن نترك ذلك لما هو أهم منه فما سمعنا بأصحاب محمد اختلفوا في ذلك وحسبي أن أقرأ ما صح عن نبي الله ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم - وأتبعه دون تأويل .


فأصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم - اختلفوا فيمن يقود الأمة ويعمل على عزها ومجدها ، نعم اختلفوا عمن يجيش الجيوش ويرسل بالفاتحين ، ولم يختلفوا في تأويل الأسماء والصفات.



أخي أبو أحمد – وفقك الله -
أقدر لك حسن نيتك وحرصك على دعوة غيرك للخير الذي تؤمن به ولا أشكك في حسن مقصدك من أجل ذلك لم أتعرض لك وتحملت مالله به عليم من الهم والنقد وغير ذلك ، وصراحة أنا لا أوافق على ما تقوله وتريد أن تحمل الناس عليه وتجديدك لمذهب الأشاعرة الذي اندثر مع الزمن فهذه أمور قديمة ما أظن أن الأمة في حاجة إليها في زمن غلب فيه الصراع وصار على أشده وانتقل الصراع بيننا وبين أعدائنا إلى العلم والتكنولوجيا والتقدم الحضاري والحرب الاقتصادية .


ألا تتفق معي أنه لو كان كل أهل العراق وأهل أفغانستان وأهل فلسطين وأهل كسوفا ومن قبلهم البوسنة والهرسك يعتقدون بمذهب الأشاعرة الذي تدعو إليه ما تغير الوضع ؟


لكن تخيل لو أنهم اهتموا بأنفسهم وأعدوا عدتهم كما أمرهم رب العزة والجلال في قوله تعالى :


{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } سورة الأنفال : 60

لكان ذلك أنفع لهم ولأمتهم وما حدث لهم ما حدث من غزو واعتداء وبطش وظلم وتشريد للأوطان والأهل .


يا أبا أحمد - بارك الله فيك - : دعك من فكرة النجديين والوهابيين فهذه والله كلمات لا يراد بها الخير ودعوها في أقرب للقومية والقوميين - علماء المملكة ومن وافقهم من أهل الحديث والفقه صاروا قدوة في زمن عز فيه القدوة وصاروا أعلامًا للحق يشهد لهم واقعهم وعملهم في وقت لأجد لمخالفيهم إلا السباب والشتائم وموالاة الصفويين ومن ضل معتقدهم وتشتت فكرهم .


بلغني أن أحد الدعاء عرف عنه التطاول على علماء المملكة العربية السعودية وجاء معتمرًا فأحسنوا وفادته ورحبوا به وأهدوا إليه كتابًا منزوع الغلاف وقالوا له اقرأ هذا ثم اكتب لنا ما تجده مخالفًا لمعتقدك فقرأه وكتب عبارة مختصرة :
والله ما وجدت فيه إلا خيرًا فكل ما فيه قال الله وقال رسوله .
فقالوا له : هذا كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله .

أقول ما قرأتم وأشهد الله أنني لم أكتب مجاملة لأحد أو تكليفًا من أحد ، ولكن هذا ما أعتقده وأدين به لله رب العالمين ، والله من وراء القصد – وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه الفقير إلى ربه
صبري بن محمد رشاد عسكر
أحد أئمة وزارة الأوقاف المصرية
ومقدم برنامج يا أمة القرآن على قناة الراية